الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
السيد على الإطلاق هو الله لأنه مالك الملك:
أيها الإخوة الكرام؛ لا زلنا في اسم السيد، والسيد لغة صفة مشبهة للموصوف بالسيادة، أصله ساد يسود سيْوِد، قُلبت الواو ياءً وأدغمت في الياء، فأصبحت سيّد، السيد على الإطلاق هو الله، لأنه مالك الملك، بل مالك الخلق، ولا مالك للخلق سواه، هو سيد الخلق لأنه مالك أمرهم، بأمره يعملون، وعن قوله يصدرون، يملكهم مُلكاً مُطلقاً، خلقاً، وتصرفاً، ومصيراً، لكن يمكن أن يوصف الإنسان بأنه سيد، مع الفارق بين الخالق والمخلوق.
السيد من بني البشر الذي تأبى نفسه أن يفعل منكراً:
من هو السيد من بني البشر؟ قال: الشريف، الذي تأبى نفسه أن يفعل منكراً، الفاضل الذي يتفضل بما عنده على الآخرين، الكريم، المعطاء، الحليم، الصبور، الذي يتحمل أذى قومه، المُقدّم، إذاً يمكن أن يوصف الإنسان بأنه سيد حينما يتحلى بمكارم الأخلاق.
الآن لابدّ من ملاحظة أن موقع مكارم الأخلاق من الدين كالرأس من الجسد، لأن ابن القيم رحمه الله تعالى يقول: الإيمان هو الخُلق، فمن زاد عليك في الخُلق زاد عليك في الإيمان.
ويطبع المؤمن على الخلال كلها إلا الكذب والخيانة، فإذا كذب وخان نُفيت عنه صفة الإيمان أصلاً، لكن الذي ينبغي أن يكون واضحاً هو أن النجاشي حينما سأل سيدنا جعفر عن الإسلام، الآن دققوا في تعريف الإسلام من صحابي جليل قال:
(( عن أم سلمة رضي الله عنها: قال: أَيُّهَا الْمَلِكُ، كُنَّا قَوْمًا أَهْلَ جَاهِلِيَّةٍ، نَعْبُدُ الْأَصْنَامَ، وَنَأْكُلُ الْمَيْتَةَ، وَنَأْتِي الْفَوَاحِشَ، وَنَقْطَعُ الْأَرْحَامَ، وَنُسِيءُ الْجِوَار -هذه الجاهلية-يَأْكُلُ الْقَوِيُّ مِنَّا الضَّعِيفَ، فَكُنَّا عَلَى ذَلِكَ حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ إِلَيْنَا رَسُولًا مِنَّا، نَعْرِفُ نَسَبَهُ، وَصِدْقَهُ، وَأَمَانَتَهُ، وَعَفَافَهُ، فَدَعَانَا إِلَى اللَّهِ لِنُوَحِّدَهُ وَنَعْبُدَهُ، وَنَخْلَعَ مَا كُنَّا نَعْبُدُ نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ الْحِجَارَةِ وَالْأَوْثَانِ، وَأَمَرَنَا بِصِدْقِ الْحَدِيثِ، وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ، وَصِلَةِ الرَّحِمِ، وَحُسْنِ الْجِوَارِ، وَالْكَفِّ عَنْ الْمَحَارِمِ وَالدِّمَاءِ، وَنَهَانَا عَنْ الْفَوَاحِشِ، وَقَوْلِ الزُّورِ، وَأَكْلِ مَالَ الْيَتِيمِ، وَقَذْفِ الْمُحْصَنَةِ، وَأَمَرَنَا أَنْ نَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ لَا نُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، وَأَمَرَنَا بِالصَّلَاةِ، وَالزَّكَاةِ، وَالصِّيَامِ. ))
[ إسناده صحيح أخرجه أحمد ]
بماذا وصف النبي عليه الصلاة والسلام؟ بصفات أخلاقية، ((نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه ونسبه، فَدَعَانَا إِلَى اللَّهِ لِنُوَحِّدَهُ، وَنَعْبُدَهُ، وَنَخْلَعَ مَا كُنَّا نَعْبُدُ نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ الْحِجَارَةِ وَالْأَوْثَانِ، وَأَمَرَنَا)) دقق، بماذا أمرنا؟ ((بِصِدْقِ الْحَدِيثِ، وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ، وَصِلَةِ الرَّحِمِ، وَحُسْنِ الْجِوَارِ، وَالْكَفِّ عَنْ الْمَحَارِمِ وَالدِّمَاء)) أنا أنقل لكم حديثاً لصحابي جليل، أراد أن يُعرِّف النجاشي بالإسلام.
الإسلام بناء أخلاقي يستند إلى عبادات شعائرية:
إذاً الإسلام مجموعة قيم أخلاقية، الإسلام بناء أخلاقي يستند إلى عبادات شعائرية،
(( عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «بُنِيَ الإِسْلامُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامِ الصَّلاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالْحَجِّ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ». ))
الإسلام شيء، والخمس شيء آخر، هذه دعائم، هذه الدعائم لا تسمى بناء، هي أساسات بناء، لكن البناء هو الأخلاق، ((بُنِي الإسلامُ على خَمْسٍ)) من هنا تبيّن أن قيمة المسلم الأولى في خُلُقه، وأن الخُلق هو الذي يجذب الناس إلى الدين، وأن سوء الخُلق يُبعِد الناس عن الدين، فحينما يتوهم الإنسان أنه إذا صلى، أو إذا صام، أو إذا حج، أو إذا زكى صار مسلماً؟ نقول له: لا، لا تكون مسلماً حقيقة إلا إذا تحليت بعد أدائك للعبادات بمكارم الأخلاق، فالإيمان هو الخلق، ومن زاد عليك في الإيمان زاد عليك في الخلق.
النبي الكريم اتّصف بمئات الصفات الرائعة ومع ذلك مدحه الله بخلقه:
الآن النبي عليه الصلاة والسلام كان نبياً، وكان رسولاً، وكان مُتكلماً، وكان مُتحدثاً، وكان حكيماً، مئات الصفات التي وهبه الله إياها، لكن حينما مدحه مَدَحه بالخُلق العظيم، أي أنت ليس من المعقول أنك إذا أعطيت ابنك سيارة تقيم له حفلاً تكريمياً، هي السيارة منك، حفل التكريم لا معنى له إطلاقاً، أما إذا نجح في الشهادة الثانوية، ونال الدرجة الأولى، شيء طبيعي جداً أن تقيم له حفلاً تكريمياً، أي الأخلاق كسبية، لذلك كل الصفات الرائعة التي تحلى بها النبي حينما جاء مكان مدحه مُدِح بخلقه العظيم.
﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4)﴾
وما لم يقتدِ المسلمون بأخلاق نبيهم لن يفلحوا.
التقريع والقسوة في الخطاب ليس من صفات الدعاة الصادقين:
الله عز وجل يقول:
﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159)﴾
أي بسبب رحمة استقرب في قلبك يا محمد كنت ليناً لهم، مع كل خصائصه، مع أنه أوتي القرآن، مع أنه أوتي وحي السماء، مع أنه كان جميل الصورة، مع أنه كان فصيح اللسان، مع أنه لا ينسى.
﴿ سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى (6)﴾
مع أنه، مع أنه، لو سردت آلاف الصفات، يقول الله له كتوضيح: أنت أنت أنت يا محمد مع كل هذه الخصائص: ﴿وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾ لو معك علم، لو حافظ آلاف النصوص، لو متبحر بكل الكتب، ما دمت فظاً غليظ القلب ينفض الناس من حولك، هذا الكلام لمن موجه؟ لا إلينا، لا يوجد وحي، ولا يوجد قرآن، ولا يوجد معجزات، ولا يوجد فصاحة، ولا يوجد جمال، هذا الكلام موجه لسيد الخلق وحبيب الحق، موجه لمن اصطفاه الله على العالمين، قال له: أنت، أنت، أنت بالذات: ﴿وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾ أنا أعجب أشدّ العجب من داعية ليس نبياً، ولا رسولاً، ولا يُوحى إليه، ولا معه القرآن، وليس فصيحاً، وليس جميل الصورة، ومع ذلك قاسٍ جداً في توجيهه، هذا التقريع، والقسوة في الخطاب ليس من صفات الدعاة الصادقين.
الإنسان لا يكون سيداً إلا إذا كان أخلاقياً:
أيها الإخوة؛ لابد من أن نفهم متى يكون الإنسان سيداً؟ إذا كان أخلاقياً، إذا كان كريماً، إذا كان رحيماً، إذا كان حليماً، إذا كان متواضعاً، إذا كان ودوداً، إذا كان صادقاً، إذا كان أميناً، إذا كان رحيماً، عندها يكون سيداً، السيد المطلق هو الله، لكن يمكن أن يوصف الإنسان بأنه سيد، كما قال عليه الصلاة والسلام للأنصار:
(( عن عائشة أم المؤمنين: قوموا إلى سيِّدِكم، فأنزَلوهُ. ))
[ ابن حجر العسقلاني: فتح الباري لابن حجر: أخرجه أحمد: إسناده حسن ]
أي السيادة قمة في الأخلاق، السيادة رحمة، السيادة أن تحمل هموم من حولك.
وبالمناسبة هناك إنسان يهتم بنفسه، الأرقى من هذا من يهتم بأولاده، الأرقى من هذا من يهتم بأقاربه، الأرقى من هذا من يهتم بأهل بلده، لكن النبي عليه الصلاة والسلام كان يحمل همّ البشرية، ويقول:
(( عَنْ أَنَسٍ قَالَ: خَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ خُطْبَةً مَا سَمِعْتُ مِثلَهَا قَطُّ، قَالَ: «لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا وَلَبَكَيْتُمْ كَثيرًا» . قَالَ: فَغَطَّى أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وُجُوهَهُمْ لَهُمْ خَنِينٌ، فَقَالَ رَجُلٌ: مَنْ أَبِي؟ قَالَ: «فُلانٌ». فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ {لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} . ))
فكلما ارتفع مقامك تزداد وتتسع دائرة اهتمامك، فالذي يخرج من ذاته ليحمل همّ المسلمين، ليُخفف عنهم أعباءهم، ليدعوهم إلى الله عز وجل، ليبين لهم، هذا الإنسان له عند الله مقام خطير، ولئلا يترسخ في أذهاننا مفهوم ما أراده الله، أن الإسلام عبادات، ضُغط الإسلام إلى عبادات.
المفارقة الحادة بين هوية المسلم وبين سلوكه:
والله أيها الإخوة؛ هناك مفارقات حادة جداً في حياتنا، تجد إنساناً صائماً مصلياً من رواد المساجد، وليس هناك من علاقة بين هويته كمسلم وعقيدته وبين سلوكه، تجده غربياً في احتفالاته، في كسب ماله، في تجارته مادة محرمة، مشبوهة، يجوز، لا يجوز، بفائدة، بغير فائدة، هذا الشرخ العظيم بين حقيقة الدين، وبين واقع المسلمين، شيء مقلق، أي مليار وخمسمئة مليون مسلم في الأرض ليس أمرهم بيدهم، وللطرف الآخر عليهم ألف سبيل وسبيل، لماذا؟ لأن أمر الله هان عليهم فهانوا على الله.
في اللحظة التي تتوهم فيها أن الدين أن تصلي، وأن تصوم، وأن تحج، وأن تزكي، ولا شيء عليك بعد ذلك، افعل في بيتك ما شئت، ولتخرج زوجتك بما يحلو لها من ثياب فاضحة، ولتجعل من ابنتك تتابع صرعات الأزياء، وأنت راض عنها، وأن تتعامل بالأمور التجارية تعاملاً غير إسلامي، هنا المشكلة الكبيرة.
العبادات الشعائرية لا تُقبل ولا تصحّ إلا إذا صحّت العبادات التعاملية:
لذلك أنا مضطر أن أبين لكم-وهذه حقيقة صارخة-أن العبادات الشعائرية وعلى رأسها الصلاة، والصيام، والحج، والزكاة، والنطق بالشهادة، لا تُقبل ولا تصح إلا إذا صحت العبادات التعاملية، ويأتي على رأسها الأخلاق، وفي الدين دليل، ولولا الدليل لقال من شاء ما شاء، لك أن تقول برأيك في أي موضوع إلا في الدين، إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم، ابن عمر دينك دِينك، إنه لحمك ودمك، خذ عن الذين استقاموا، ولا تأخذ عن الذين مالوا.
والله أيها الإخوة؛ الأحاديث والآيات التي سوف أضعها بين أيديكم تقصم الظهر إن وعينا أبعادها، النبي عليه الصلاة والسلام يسأل أصحابه سؤالاً دقيقاً:
(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: هَلْ تَدْرُونَ مَنِ الْمُفْلِسُ؟ قَالُوا:-بشكل أولي-الْمُفْلِسُ فِينَا يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ لا دِرْهَمَ لَهُ وَلا مَتَاعَ، قَالَ: إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي، مَنْ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصِيَامٍ وَصَلاةٍ وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ عِرْضَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، فَيُقْعَدُ، فَيَقْتَصُّ هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ مَا عَلَيْهِ مِنَ الْخَطَايَا، أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ، فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ. ))
انتهت الصلاة.
﴿ اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ (45)﴾
فإذا لم تنهَ الصلاة عن الفحشاء والمنكر لن تستطيع أن تقطف من ثمارها شيئاً إنها حركات وسكنات، وإشارات وتمتمات، وهي أقرب إلى الطقوس منها إلى العبادات، حقيقة خطيرة،
(( عَنْ ثَوْبَانَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: لَأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضًا، فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُورًا، قَالَ ثَوْبَانُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، صِفْهُمْ لَنَا، جَلِّهِمْ لَنَا أَنْ لَا نَكُونَ مِنْهُمْ، وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ، قَالَ: أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ، وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ، وَيَأْخُذُونَ مِنْ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ، وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا. ))
هذه الصلاة.
الصيام،
(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ. ))
(( عن أبي هريرة رضي الله عنه: رُبَّ صائمٍ ليس له من صيامِه إلَّا الجوعُ ورُبَّ قائمٍ ليس له من قيامِه إلَّا السَّهرُ.))
والعطش، صام ثلاثين يوماً!
الحج؛ إذا حجّ المرء بمال حرام، هناك أموال مغتصبة، هناك حقوق لم تؤدَ، هناك واجبات لم تؤدَ، وحجّ بمال حرام، ووضع رجله في الركاب، وقال: لبيك اللهم لبيك، ينادى أن لا لبيك ولا سعديك، وحجك مردود عليك.
الزكاة، إنفاق المال:
﴿ قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْمًا فَاسِقِينَ (53)﴾
النطق بالشهادة: من قال لا إله إلا الله بحقها دخل الجنة، قيل: وما حقها؟ قال: أن تحجزه عن مفاسد الأخلاق، عن معاصي الله عز وجل.
تميز الإنسان بأخلاقه وتواضعه وحلمه سبب تقربه من الله عز وجل:
أيها الإخوة؛ الشيء الدقيق جداً من أجل أن نوفر وقتنا، وأن نوفر جهدنا، وأن نكون واعين تماماً لما سوف ينتظرنا، العبادات الشعائرية التي يحرص الناس عليها لا تُقبَل ولا تصح إلا إذا صحت العبادات التعاملية، من صدق، وأمانة، وعفة، وأداء للحقوق، وعفو، وما إلى ذلك.
لذلك الله عز وجل هو السيد، لأنه مالك الخلق أجمعين، مالك الملك، والله عز وجل سيد لأنه مالك ملكاً مطلقاً خلقاً، وتصرفاً، ومصيراً، والإنسان يوصف بأنه سيد إذا كان شريفاً، إذا كان كريماً، إذا كان فاضلاً، إذا حمل همّ أمته، إذا تحمّل أذى قومه، إذا كان محسناً، يوصف بأنه سيد، فلذلك:
﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (180)﴾
أي تقرب إلى الله، تقرب إلى السيد المطلق الله جلّ جلاله بأن تكون سيداً في قومك، تقرب إلى الله السيد المطلق، الذي ملك كل الخلق بأن تكون سيداً في قومك، أي متميزاً بأخلاقك، بوفائك، بحلمك، برحمتك، بتواضعك.
أقرب شيء تتقرب به إلى الله أن تتخلق بكمالات الله:
لذلك أقرب شيء تتقرب به إلى الله أن تتخلق بكمالات الله، أقرب وسيلة وأجدى وسيلة في التقرب إلى الله أن تتخلق بكمالات الله، الله سيد، وكن أنت سيداً في قومك، بكل مجتمع، أحياناً بأسرة كبيرة، بمجتمع صغير هناك شخص كبير، كبير جداً، أكبر من أكبر مشكلة، له قلب كبير، يتضاءل أمامه كل عظيم، وهناك إنسان صغير جداً له قلب صغير يعظُم عليه كل حقير، فلان يقول لك: فلان كبير، أي لا يُستَفز، كبير لا يخون، كبير لا يكذب، كبير لا يؤذي، كبير لا يحتال، كبير! فالله عز وجل سيد ومن أجل أن تتقرب إليه ينبغي أن تكون أنت أيضاً سيداً في قومك.
الرد عن تساؤل الإخوة الكرام عن أسماء الله الحسنى:
إخواننا الكرام؛ هناك تساؤل لابد من أن أجيب عنه: إن الأسماء الحسنى التي أُدرجت بعد الحديث النبوي الصحيح الشريف، والذي ورد في الصحيحين، في البخاري ومسلم،
(( من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا، مِائَةً إِلَّا وَاحِدًا، مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ». ))
هذا الحديث في أعلى درجات الصحة، في صحيح البخاري ومسلم، رواه الشيخان، ولكن جاء بعده تسعة وتسعون اسماً، هذه الأسماء التي أُدرجت بعد هذا الحديث لم يثبت بعضها عن النبي صلى الله عليه وسلم، بل هي من جمع الرواة، ولاسيما الوليد بن مسلم، بل هي تفسير شخصي للحديث، وقد أدرجها الوليد بعد الحديث، وألحقها وألصقها به، وظنّ أغلب الناس أنها نص من كلام النبي، ولكن العلماء الراسخين قديماً وحديثاً لا يخفى عليهم ذلك، وقد أجرى الدكتور محمود عبد الرزاق الرضواني جزاه الله خيراً دراسة علمية استقصائية لما ثبت من الأسماء، وما لم يثبت اعتمد شروطاً لصحتها، من هذه الشروط أن يَرِد الاسم نصاً في القرآن الكريم، والسنة الصحيحة، وأن تُراد به العلمية، وأن يكون مطلقاً من كل قيد، وأن يكون وصفاً ودالاً على كمال الوصفية، وقد اعتمدت هذه الدراسة في اختيار الأسماء الثلاثين التي تمّ شرحها حتى الآن، فجزاه الله عنا خيراً ثانية.
موقع الأسماء الحسنى من العقيدة موقع خطير جداً:
سوف نتابع إن شاء الله الأسماء الحسنى في الدروس القادمة، ويمكن أن نقول هذه الكلمة الدقيقة: إن أوسع باب نتعرف منه إلى الله، وإن أقصر طريق إلى الله فضلاً عن التفكر في خلق السماوات والأرض، أن نتعرف إلى أسماء الله الحسنى، إن أسماء الله الحسنى تقع في صدر معرفة الله عز وجل، ومرة ثانية؛ أنت حينما تعرف أسماء الله الحسنى تتوجه إليه، ﴿وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا﴾ أنت حينما تتعرف إلى أسماء الله الحسنى تتقرب إلى الله، وأنت حينما تتعرف إلى أسماء الله الحسنى تدعوه بها، وأكمل شيء أن يكون لك نصيب من كل اسم من أسماء الله الحسنى، الله رحيم هل ترحم من دونك؟ الله عز وجل لطيف هل تتلطف بأهلك؟ الله عز وجل كريم هل أنت جواد؟ هذه الأسماء الحسنى قمم في الكمال، والله عز وجل لا يمكن أن تنتمي إليه، وأن تكون عبداً من عباده، وأن تكون مسلماً حقيقة إلا إذا تخلقت بهذه الأخلاق، فلهذا أيها الإخوة؛ موقع الأسماء الحسنى من العقيدة موقع خطير جداً، بها تعرف الله، وبسببها تدعوه، وعن طريق التخلق بكمالات الله التي هي من أسمائه الحسنى تتقرب إليه، فهذا الموضوع يمكن أن يكون رأساً في موضوعات العقيدة، موضوعات معرفة الله عز وجل، وأصل الدين معرفته، وابن آدم اطلبني تجدني، فإذا وجدتني وجدت كل شيء، وإن فتك فاتك كل شيء، وأنا أحبّ إليك من كل شيء.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا، أرضنا وارض عنا، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم.
الملف مدقق